فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل: مبحث في حكم المعصية عند المعتزلة وغيرهم:

قال الفخر:
إن المعصية عند المعتزلة وعندنا، لا توجب الكفر، أما عندنا فلأن صاحب الكبيرة مؤمن، وأما عند المعتزلة فلأنه وإن خرج عن الإيمان فلم يدخل في الكفر، وأما عند الخوارج فكل معصية كفر، وهم تمسكوا بهذه الآية، قالوا إن الله تعالى كفر إبليس بتلك المعصية فدل على أن المعصية كفر، الجواب إن قلنا إنه كافر من أول الأمر فهذا السؤال زائل، وإن قلنا إنه كان مؤمنًا، فنقول إنه إنما كفر لاستكباره واعتقاده كونه محقًا في ذلك التمرد واستدلاله على ذلك بقوله: {أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ} والله أعلم. اهـ.

.فصل: الوجه في أن الأمر بالسجود كان لجميع الملائكة:

قال الفخر:
قال الأكثرون إن جميع الملائكة مأمورون بالسجود لآدم واحتجوا عليه بوجهين:
الأول: أن لفظ الملائكة صيغة الجمع وهي تفيد العموم لاسيما وقد وردت هذه اللفظة مقرونة بأكمل وجوه التأكيد في قوله: {فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30].
الثاني: هو أنه تعالى استثنى إبليس منهم واستثناء الشخص الواحد منهم يدل على أن من عدا ذلك الشخص كان داخلًا في ذلك الحكم ومن الناس من أنكر ذلك وقال المأمورون بهذا السجود هم ملائكة الأرض واستعظموا أن يكون أكابر الملائكة مأمورين بذلك.
وأما الحكماء فإنهم يحملون الملائكة على الجواهر الروحانية وقالوا يستحيل أن تكون الأرواح السماوية منقادة للنفوس الناطقة إنما المراد من الملائكة المأمورين بالسجود القوى الجسمانية البشرية المطيعة للنفس الناطقة والكلام في هذه المسألة مذكور في العقليات. اهـ.

.قال القاسمي:

اخلتفوا في الملائكة الذين أمروا بالسجود، فقيل: هم الذين كانوا مع إبليس في الأرض.
قال تقي الدين ابن تيمية:
هذا القول ليس من أقوال المسلمين واليهود والنصارى، وقيل: هم جميع الملائكة حتى جبريل وميكائيل، وهذا قول العامة من أهل العلم بالكتاب والسنة.
قال ابن تيمية: ومن قال خلافه فقد رد القرآن بالكذب والبهتان، لأنه سبحانه قال فسجد الملائكة كلهم أجمعون وهذا تأكيد للعموم. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسجدوا لآدَمَ}.
لم يبين هنا هل قال لهم ذلك قبل خلق آدم أَو بعد خلقه؟ وقد صرح في سورة الحجر وص بأنه قال لهم ذلك قبل خلق آدم، فقال في الحجر: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 28- 29]، وقال في سورة ص: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} [ص: 71- 72].
قوله تعالى: {إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى واستكبر}.
لم يبين هنا موجب استكباره في زعمه، ولكنه بينه في مواضع أخر كقوله: {قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الأعراف: 12]، وقوله: {قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} [الحجر: 33].

.تنبيه: المقارنة بين عنصري الطين والنار:

مثل قياس إبليس نفسه على عنصره، الذي هو النار، وقياسه آدم على عنصره، الذي هو الطين، واستنتاجه من ذلك أنه خير من آدم. ولا ينبغي أن يؤمر بالسجود لمن هو خير منه، مع وجود النص الصريح الذي هو قوله تعالى: {اسجدوا لآدَمَ} يسمى في اصطلاح الأصوليين فاسد الاعتبار. وإليه الإشارة بقول صاحب مراقي السعود:
والخلف للنص أو إجماع دعا فساد الاعتبار كل من وعى فكل من رد نصوص الوحي بالأقيسة فسَلَفُه في ذلك إبليس، وقياس إبليس هذا لعنه الله باطل من ثلاثة أوجه:
الأول: أنه فاسد الاعتبار. لمخالفة النص الصريح كما تقدم قريبًا.
الثاني: أنا لا نسلم أن النار خير من الطين، بل الطين خير من النار. لأن طبيعتها الخفة والطيش والإفساد والتفريق، وطبيعته الرزانة والإصلاح فتودعه الحبة فيعطيكها سنبلة والنواة فيعطيكها نخلة.
وإذا أردت أن تعرف قدر الطين فانظر إلى الرياض الناضرة وما فيها من الثمار اللذيذة، والأزهار الجميلة، والروائح الطيبة، تعلم أن الطين خير من النار.
الثالث: أنا لو سلمنا تسليمًا جدليًا أن النار خير من الطين: فإنه لا يلزم من ذلك أن إبليس خير من آدم. لأن شرف الأصل لا يقتضي شرف الفرع، بل قد يكون الأصل رفيعًا والفرع وضيعًا، كما قال الشاعر:
إذا افتخرت بآباء لهم شرف ** قلنا صدقت ولكن بئس ما ولدوا

وقال الآخر:
وما ينفع الأصل من هاشمٍ ** إذا كانت النفس من باهله

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)}.
السجود لا يكون عبادة لِعَيْنهِ ولكن لموافقة أمره سبحانه، فكأن سجودَهم لآدم عبادةٌ لله؛ لأنه كان بأمره، وتعظيمًا لآدم لأنه أمرهم به تشريفًا لشأنه، فكأن ذلك النوعَ خضوعٌ له ولكن لا يسمى عبادة، لأن حقيقة العبادة نهاية الخضوع وذلك لا يصحُّ لغيره سبحانه.
ويقال بَيَّن أن تقدُّسَه- سبحانه- بجلاله لا بأفعالهم، وأن التَجمُّلَ بتقديسهم وتسبيحهم عائدٌ إليهم، فهو الذي يجل من أَجَلَّه بإجلاله لا بأفعالهم، ويعز من أعزَّ قدره سبحانه بإعزازه، جَلَّ عن إجلال الخلق قدْرُه، وعزّ عن إعزاز الخَلْق ذِكْرُه.
قوله تعالى: {فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ} أبى بقلبه، واستكبر عن السجود بنفسه، وكان من الكافرين في سابق حكمه وعلمه. ولقد كان إبليس مدةً في دلال طاعته يختال في صدار موافقته، سلَّموا له رتبة التقدم، واعتقدوا فيه استحقاق التخصيص، فصار أمره كما قيل:
وكان سراج الوصل أزهر بيننا ** فهبَّت به ريحٌ من البيْن فانطفا

كان يحسب لنفسه استيجاب الخيرية، ويحسب استحقاق الزلفة والخصوصية:
فبات بخير والدني مطمئنة ** وأصبح يومًا والزمان تقلبا

فلا سالِفَ طاعةٍ نَفَعَه، ولا آنِفَ رجعةٍ رفعه، ولا شفاعةَ شفيعٍ أدركتهْ، ولا سابقَ عنايةٍ أَمْسكتهْ. ومن غَلَبَه القضاء لا ينفعه العناء.
ولقد حصلت من آدم هفوة بشرية، فتداركتهْ رحمة أحدية، وأما إبليس فأدركته شقوة أزلية، وغلبته قسمة وقضية. خاب رجاؤه، وضلَّ عناؤه. اهـ.

.قال في روح البيان:

ومن فوائد الآية:
استقباح الاستكبار وأنه قد يفضي بصاحبه إلى الكفر والحث على الائتمار لأمره وترك الخوض في سره وأن الأمر للوجوب وأن الذي علم الله من حاله أنه يتوفى على الكفر هو الكافر على الحقيقة إذ العبرة بالخواتم وإن كان بحكم الحال مؤمنًا وهي مسألة الموافاة أي: اعتبار تمام العمر الذي هو وقت الوفاة فإذا كان العبرة بالخاتمة فليسارع العبد إلى الطاعات فكل ميسر لما خلق له خصوصًا في آخر السنة وخاتمتها كي يختم له الدفتر بالعمل الصالح.
قالت رابعة العدوية لسفيان الثوري رحمهما الله: إنما أنت أيام معدودة فإذا ذهب يوم ذهب بعضك ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل وأنت تعلم فاعلم واعتبر ولا تقل ذهب لي درهم ودينار وسقط لي مال وجاه بل قل ذهب يومي ماذا عملت فيه فإن باليوم ينقضي العمر.
واحتضر عابد فقال ما تأسفي على دار الأحزان وإنما تأسفي على ليلة نمتها ويوم أفطرته وساعة غفلت فيها عن ذكر الله تعالى.
وعن العلاء بن ذياد قال: ليس يوم يأتي من أيام الدنيا إلا يتكلم ويقول: يا أيها الناس إني يوم جديد وأنا على ما يعمل في شهيد وإني لو غربت شمسي لم أرجع إليكم إلى يوم القيامة.
قيل: يا رسول الله من خير الناس؟ قال: «من طال عمره وحسن عمله» قيل: فأي الناس شر قال: «من طال عمره وساء عمله وخيف شره ولم يرج خيره» قال الحسن لجلسائه يا معشر الشيوخ ما ينتظر بالزرع إذا بلغ قالوا: الحصاد قال: يا معشر الشباب فإن الزرع قد تركه الآفة قبل أن يبلغ وأنشد بعضهم:
ألا مهد لنفسك قبل موت ** فإن الشيب تمهيد الحمام

وقد جد الرحيل فكن مجدًا ** لحط الرحل في دار المقام

وعن الحسن قال ابن آدم لا تحمل هم سنة على يوم كفى يومك بما فيه فإن تكن السنة من عمرك يأتك الله فيها برزقك وإلا تكن من عمرك فأراك تطلب ما ليس لك.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ما طلعت شمس إلا وبجنبتيها ملكان يناديان وإنهما ليسمعان من على ظهر الأرض غير الثقلين يا أيها الناس هلموا إلى ربكم إن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى وما غربت شمس قط إلا وبجنبتيها ملكان يناديان وإنهما ليسمعان من على ظهر الأرض غير الثقلين اللهم عجل لمنفق خلفًا وعجل للممسك تلفًا. اهـ.

.من فوائد ابن عطية في الآية:

قال رحمه الله:
{وإذ} من قوله: {وإذ قلنا} معطوف على {إذ} المتقدمة.
وقول الله تعالى وخطابه للملائكة متقرر قديم في الأزل، بشرط وجودهم وفهمهم، وهذا هو الباب كله في أوامر الله سبحانه ونواهيه ومخاطباته و{قلنا} كناية العظيم عن نفسه بلفظ الجمع، وقوله للملائكة عموم فيهم.
وقرأ أبو جعفر بن القعقاع: {للملائكةُ اسجدوا} برفع تاء للملائكة إتباعًا لضمة ثالث المستقبل.
قال أبو علي: وهذا خطأ.
وقال الزجاج: أبو جعفر من رؤساء القرأة ولكنه غلط في هذا.
قال أبو الفتح: لأن الملائكة في موضع جر فالتاء مكسورة كسرة إعراب، وهذا الذي ذهب إليه أبو جعفر إنما يجوز إذا كان ما قبل الهمزة حرفًا ساكنًا صحيحًا، نحو قوله تعالى: {وقالت أخرج عليهن} [يوسف: 31] والسجود في كلام العرب الخضوع والتذلل، ومنه قول الشاعر زيد الخيل: الطويل:
ترى الأُكْمَ فيهِ سُجَّدًا للحوافرِ ** وغايته وضع الوجه بالأرض

والجمهور على أن سجود الملائكة لآدم إيماء وخضوع، ذكره النقاش وغيره، ولا تدفع الآية أن يكونوا بلغوا غاية السجود.
قوله تعالى: {فقعوا له ساجدين} [الحجر: 29] لا دليل فيه لأن الجاثي على ركبتيه واقع.
واختلف في حال السجود لآدم، فقال ابن عباس: تعبدهم الله بالسجود لآدم، والعبادة في ذلك لله.
وقال علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس: إنما كان سجود تحية كسجود أبوي يوسف عليه السلام، لا سجود عبادة.
وقال الشعبي: إنما كان آدم كالقبلة، ومعنى لآدم إلى آدم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذه الوجوه كلها كرامة لآدم عليه السلام.
وحكى النقاش عن مقاتل: أن الله إنما أمر الملائكة بالسجود لآدم قبل أن يخلقه.
قال: والقرآن يرد على هذا القول.
وقال قوم: سجود الملائكة كان مرتين، والإجماع يرد هذا.
وقوله تعالى: {إلا إبليس} نصب على الاستثناء المتصل، لأنه من الملائكة على قول الجمهور، وهو ظاهر الآية، وكان خازنًا وملكًا على سماء الدنيا والأرض، والأرض، واسمه عزازيل، قاله ابن عباس.
وقال ابن زيد والحسن: هو أبو الجن كما أن آدم أبو البشر، ولم يكن قط ملكًا.
وقد روي نحوه عن ابن عباس أيضًا، قال: واسمه الحارث.
وقال شهر بن حوشب: كان من الجن الذين كانوا في الأرض وقاتلتهم الملائكة فسبوه صغيرًا، وتعبد وخوطب معها، وحكاه الطبري عن ابن مسعود: والاستثناء على هذه الأقوال منقطع، واحتج بعض أصحاب هذا القول بأن الله تعالى قال صفة للملائكة: {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}.
ورجح الطبري قول من قال: إن إبليس كان من الملائكة. وقال: ليس في خلقه من نار ولا في تركيب الشهوة والنسل فيه حين غضب عليه ما يدفع أنه كان من الملائكة.
وقوله عز وجل: {كان من الجن ففسق عن أمر ربه} [الكهف: 50] يتخرج على أنه عمل عملهم فكان منهم في هذا، أو على أن الملائكة قد تسمى جنًا لاستتارها، قال تعالى: {وجعلوا بينه وبين الجنة نسبًا} [الصافات: 158].
وقال الأعشى في ذكر سليمان عليه السلام: الطويل:
وسخّر من جن الملائك تسعة ** قيامًا لديه يعملون بلا أجْرِ

أو على أن يكون نسبهم إلى الجنة كما ينسب إلى البصرة بصريّ، لما كان خازنًا عليها، و{إبليس} لا ينصرف لأنه اسم أعجمي معرف.
قال الزجاج: ووزنه فِعْليل.
وقال ابن عباس والسّدي وأبو عبيدة وغيرهم: هو مشتق من أبلس إذا أبعد عن الخير، ووزنه على هذا إفعيل ولم تصرفه هذه الفرقة لشذوذه، وأجروه مجرى إسحاق من أسحقه الله، وأيوب من آب يؤوب، مثل قيوم من قام يقوم، ولما لم تصرف هذه- ولها وجه من الاشتقاق- كذلك لم يصرف هذا وإن توجه اشتقاقه لقلته وشذوذه، ومن هذا المعنى قول الشاعر العجاج: الرجز:
يا صاح هل تعرف رسمًا مكرسا ** قال نعمْ أعرفه وأبلسا

أي تغير وبعد عن العمار والإنس به ومثله قول الآخر: الرجز:
وفي الوجوه صفرة وإبلاس

ومنه قوله تعالى: {فإذا هم مبلسون} [الأنعام: 44] أي يائسون عن الخير مبعدون منه فيما يرون- و{أبى} معناه امتنع من فعل ما أمر به، و{استكبر} دخل في الكبرياء، والإباية مقدمة على الاستكبار في ظهورهما عليه، والاستكبار والأنفة مقدمة في معتقده.
وروى ابن القاسم عن مالك أنه قال: بلغني أن أول معصية كانت الحسد والكبر والشح، حسد إبليس آدم وتكبر، وشح آدم في آكله من شجرة قد نهي عن قربها.
حكى المهدوي عن فرقة أن معنى {وكان من الكافرين} وصار من الكافرين.
وقال ابن فورك: وهذا خطأ ترده الأصول.
وقالت فرقة: قد كان تقدم قبل من الجن من كفر فشبهه الله بهم وجعله منهم، لما فعل في الكفر فعلهم.
وذكر الطبري عن أبي العالية أنه كان يقول: وكان من الكافرين معناه: من العاصين.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وتلك معصية كفر لأنها عن معتقد فاسد صدرت.
وروي أن الله تعالى خلق خلقًا وأمرهم بالسجود لآدم فعصوا فأحرقهم بالنار، ثم خلق آخرين وأمرهم بذلك فعصوا فأحرقهم، ثم خلق الملائكة فأمرهم بذلك فسجدوا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والإسناد في مثل هذا غير وثيق.
وقال جمهور المتأولين: معنى {وكان من الكافرين} أي في علم الله تعالى أنه سيكفر، لأن الكافر حقيقة والمؤمن حقيقة هو الذي قد علم الله منه الموافاة.
وذهب الطبري: إلى أن الله أراد بقصة إبليس تقريع أشباهه من بني آدم وهم اليهود الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، مع علمهم بنبوته ومع تقدم نعم الله عليهم وعلى أسلافهم، واختلف هل كفر إبليس جهلًا أو عنادًا على قولين بين أهل السنة، ولا خلاف أنه كان عالمًا بالله قبل كفره، فمن قال إنه كفر جهلًا: قال: إنه سلب العلم عند كفره.
ومن قال كفر عنادًا قال: كفر ومعه علمه، قال: والكفر عنادًا مع بقاء العلم مستبعد، إلا أنه عندي جائز لا يستحيل مع خذل الله لمن شاء. ولا خلاف أن الله تعالى أخرج إبليس عند كفره وأبعده عن الجنة، وبعد إخراجه قال لآدم اسكن. اهـ.